تركيا
فجّر رئيس تحرير صحيفة "خبر تورك" التركية فاتح ألتايلي قنبلة، عندما أفشى في حوار تلفزيوني قبل أيام كيف كان رئيس الحكومة "رجب طيب أردوغان" يتصل بأصحاب الصحف، ومنهم نائب رئيس مجلس إدارة "خبر تورك" فاتح سراتش، لكي ينشر هذا الخبر أو يحجب ذاك.
وإذ لم يكذِّب أردوغان الوقائع دون دخول في التفاصيل، اعتُبر من الطبيعي أن يتصل بأحد في الصحافة، غير أن ألتايلي كشف عن مضمون ما كان يطلبه أردوغان من تغيير في الوقائع وفي أرقام استطلاعات الصحف. ولم يكُن جواب فاتح سراتش سوى "أمرك أفندم".
ولقد كان ذلك مثار تعليقات واسعة، اتخذت عنوانًا لها جملة "ألو.. فاتح؟" في إشارة إلى تدخُّل أردوغان في العمل الصحافي. عبارة "ألو.. فاتح؟" التي باتت مضرب سخرية وتندُّر على رئيس الحكومة عكست جانبًا من المأزق المفتوح الذي يواجهه أردوغان منذ أحداث تقسيم، وصولاً إلى "الانفجار الكبير" المتمثل في فضيحة الفساد.
ويبدو واضحًا أن طريقة سلوك رئيس الحكومة بعد فضيحة الفساد اختلفت عما قبلها، ومع أن أردوغان يعرف أنه سيبقى في السلطة بفضل أصوات المحافظين، الذين يشكِّلون، وفقًا للدراسات، 39 في المئة من المجتمع، فإنه يدرك في قرارة نفسه أنه "انتهى"، ولم يعُد ذلك الرجلَ "المعجزة" المنزَّه عن قضايا الفساد، أو الساعي لترسيخ الديمقراطية أو المحقِّق للنموّ الاقتصادي المتراجع.
لقد فعل أردوغان منذ فضيحة الفساد كل ما من شأنه حرف الأنظار عن القضية، ولجأ إلى محاولة ترسيخ قناعة بوجود "دولة موازية" للدولة يقودها "زعيم منظَّمة" هو فتح الله كولن.
لا أحد يمكنه أن يستبعد نظرية المؤامرة للإطاحة بأردوغان، زعيم البلد الذي بات معزولاً في المنطقة، وغير قادر، لعزلته، على خدمة السياسات الأمريكية. لكن أردوغان يُدرِك تمامًا أن بيت القصيد يكمن في السؤال المركزي: "هل حصل فساد بالفعل أم لا؟ وهل ابنه بلال متورط فيه أم لا؟" وهو السؤال الذي كان عليه أن يجيب عنه، لا من خلال تصفية مئات من قادة الشرطة والقضاة واستصدار قانون يخنق حرية استخدام الإنترنت، بل من خلال فتح تحقيق في الفضيحة ومحاسبة المتورطين، وهو الأمر الذي لم يفعله أردوغان، بل ظهر منذ أيام في إحدى المناسبات مع اثنين من الوزراء المتهَمين بالتورُّط في فضيحة الفساد واستقالا من الحكومة، في ظلّ سعي محموم لتبرئة المتهمين بعد تغيير قضاة التحقيق.
وفي إطار ردّ الفعل على التعامل السيِّئ مع الصحافة، دعت جمعية الكتاب والصحافيين الأتراك أردوغان إلى التخلِّي عن أسلوب تحقير الصحفيين في أثناء توجيههم الأسئلة إليه، في إشارة إلى تحقيره مراسل صحيفة "زمان" في أثناء زيارة أردوغان الأخيرة لألمانيا. تزامن ذلك مع صدور تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود"، ومركزها باريس، عن الحريات الصحفية في العالم، إذ جاءت تركيا في المرتبة 154 من أصل 180 دولة. وأورد التقرير أنه في نهاية عام 2013 كان أكثر من ستين صحفيًّا أو عاملاً في الصحافة في السجن، وأن 153 مراسلاً تَعرَّضوا لعنف الشرطة في أثناء أحداث متنزَّه جيزي مطلع الصيف الماضي، واعتبر تركيا أحد أكبر السجون الصحفية في العالم، وقد تراجعت من المرتبة 98 في عام 2005 إلى 154 اليوم.